بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

الحلقة الأولى قراء روحية في كتاب مسالك الحنفا في والدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم جلال الدين السيوطي ـ شرح وتفاصيل المفكر الاسلامي الشيخ محمد حس


قراء روحية في كتاب مسالك الحنفا
في والدي المصطفى
صلى الله علية وآله وسلم
جلال الدين السيوطي ـ

شرح وتفاصيل المفكر الاسلامي
الشيخ محمد حسني البيومي الهاشمي

الحلقة الأولى
http://elzahracenter.wordpress.com/2010/08/14

مركز أمة الزهراء فلسطين
بين يدي القراءة
مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة … والقراءة

هو الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن أبي بكر بن محمد بن ساق الدين أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد بن الشيخ همام الدين الخضيري السيوطي الشافعي المسند المحقق المدقق صاحب المؤلفات الفائقة النافعة.
تميز بشخصيته البحثية المتقدمة بين أقران عصره .. وختم علمه بالعبادة ومحاولة الوصول الى نهج العارفين وقد أصبح ذو نزعة صوفية جديرة ..
ولد بعد مغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة 894هـ , وعرض محافظه على العز الكناني الحنبلي فقال له: ما كنيتك ؟ فقال: لا كنية لي فقال: أبو الفضل, وكتبه بخطه, وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر وقد وصل في القرآن إذ ذاك إلى سورة التحريم, وقد حباه الله تعالى بمزيد من النبوغ المبكر وأنبته نباتا حسنا في وسط علمي عريق كان الشيخ متعبدا صوفيا عالما بالأصول ..
وفي السياق راجعت مبحثين مهمين للسيوطي رحمه الله تعالى ..
منها ماهو بين أيدينا : المبحث الأول :
العرف الوري في أخبار المهدي عليه السلام .. والمبحث الثاني “ القول بنجاة أبوي المصطفى ” .. وهما مبحثان جديران .. سخرهما للدفاع عن أجداد النبي الساجدين وأهل البيت عليهم السلام أجمعين ..
ويكشفان عن قوة شخصيته في تناول الأمور المتعارضة في الرأي وفي تناوله هذه المباحث هوجم عليها بشدة .
وقد اعتمدت هذين المبحثين كمادة للدراسة المتواضعة قصدت منها العمل على الدخول في عمق تراثنا الإسلامي ومحاولة تصحيحه بإتجاه رؤية جديدة … نكتشف من خلالها حقائق التراث حول آل البيت النبوي عليهم السلام لما عرف عن السيوطي في مباحثه وتفسيره الدخول في تبني روايات آل البيت عليهم السلام رغم أنه محسوب على المدرسة الإسلامية العامة… والدراسة التي بين أيدينا حرصت أن تخرج بروعة جديدة وقمت بنظمها وعنونتها من جديد ، واحتفظت بنصوص مبحث السيوطي رحمه الله بدون تغيير أوتبديل .. وكذلك قمت بمراجعة النصوص والأحاديث وأثبتها من جديد من خلال إثبات مصادرها وقدمتها حسب مواضع المبحث وكذلك الإضافات المهمة ليكتمل المبحث المنشود..
وهذه الدراسة المتواضعة حول أجداد وأبوا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تجئ متواصلة مع توجهنا وحواراتنا المتواصلة منذ أكثر من عشرين عاما ..
نحو تثبيت الوجهة النبوية المطهرة على قاعدة الاصطفاء الربانية ..
والتي لم تسلم هذه الحوارات الجادة من العنف الدموي والتشويه والتكفير ..
ومحاولة الاغتيال والخطف والتهديد ..المتواصل على المؤلف … نحو وجهة خاطئة تستهدف النيل من هذا الخط النبوي المقدس .. في قلب الأرض المقدسة لمصادرة القدس .. كما صودرت مكة وضربت بصواريخ المنجنيق .. إن حجاج وسفياني دموي جديد في آخر الزمان .. ضد آل البيت والصحابة الأبرار المنتجببن عليهم السلام .. لن يوقف ثورتنا المنهجية الجديدة ..
والموعد القدري هو الخسف بالبيداء على … عقل الدم وثورة الحقد [ مناحيم بيجين ] الجديدة بسيف الدجال الجديد …
والموعد هو وعد الرب المتعالي ووعد الآخرة الممتد .. من مكة على أبواب القدس المباركة ..
ونحن في مركز دراسات أمة الزهراء في فلسطين .. وبعقل الأمة الوسط ندرك أي أهمية من ضرورة لإعادة صياغة التراث الإسلامي وضبطه وتطهيره من نوازع قوة الضغط السلطاني وقوة ضغط الريال والدولار . . . بصياغة منهجية ومباحث رصينة..
والاتجاه بالتراث من رصيد القوة النظامية الإلحاقية .. وهيمنة البوليس الأموي عبر التاريخ ؟؟ الى رحاب دولة العدل الإلهية القادمة ..
ما من شأنه إيجاد رؤية توحيدية بين مثقفي الأمة ..
وتوجيه الجماهير من خلال وحدة التراث والفكر الطليعي … الى إيجاد منهجية ثورية إنسانية لا تقوم على الإرهاب الفكري لصالح خصوم الأمة بل تتجه بالمجاهدين نحو دولة التطهير والعدل ..
ذلك هو مشروع خليفة الله المهدي عليه السلام بلا خفاء ..
مشروع الخلافة العادلة القادمة .. نتجه في سياقنا نحو إيجاد المفهومية العادلة والتي لاتتسع لمنهج البروليتاريا الفكرية ..
وهنا لا بد من نزع الستالينية الدينية من جديد !! نحو تطلعات جديدة .. الى رحاب العدل والقيم الإنسانية القرآنية ..
وبهذا يستوعب خطنا الرباني وهو خط الشهادة .. . و ” خط الأمة الوسط ”
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}
خط العدل وآل البيت وخليفة المهدي عليهم لسلام ..
نحن بوضوح خط الخليفة القادم … وثقافتنا ثقافة الخليفة القادم عليه صلوات الرب وسلامة .. معا لنستوعب تراثنا ونصونه بصياغة جديدة تتسم بوعينا وثورتنا العادلة الجديدة..
وفي مواجهة الثورة المسيائية والماشيحانية اليهودية .. الماسونية المضادة ..
لا بد من وجود ثورة أصيلة وأيديولوجية جديدة في مواجهة الثورة المضادة ….. تنبعث في نورانيتها من قيمنا الثقافية المتجردة تماما من روح الطائفية والحزبية.البغيضة …
ونأمل أن تكون
مباحثنا المتواصلة قوة متواضعة تنال الرضا الإلهي … والله ولي التوفيق ..
مركز دراسات أمة الزهراء
فلسطين
8 نوفمبر 2007 ميلادي
_____________________
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد وعلى آله الطاهرين
المدخــل :
القراءة المختارة التي بين أيدينا هي في الأصل مبحث من مباحث العلامة السيوطي جمعها رحمه الله في كتابه المشهور [ الحاوي للفتاوى ] وقد قسمت الدراسة بنفس النسق الأصلي و حرصا على السياق آثرت أن تكون شروحات المؤلف على البحث على نظم واحد وبدون هوامش أو فواصل .. ولكن فصلتها للتعريف بقول المؤلف بقول : ” قال العلامة السيوطي ” و ” قال المؤلف .. ” ثم جمعت المراجع والهوامش حرصا أيضا على نظم الدراسة في خلف المبحث على التوالي وقد عانيت في جمعها حرصا مني على الدقة المنهجية اللازمة لمبحثنا الجليل و رجوت الله تعالي أن يعينني على هذه المهمة الشاقة تقديرا مني أولا لخطورة الموضوع أمام الهجمة المعادية لخط آل البيت والمهدي عليهم السلام وتحديدا في مناطق المحاور المواجهة لفلسطين .. وكذلك تقديرا من المؤلف لشخصية العلامة السيوطي رحمه الله .. والدراسة الموجزة ليست مراجعة أو محاكمة لفكر السيوطي وغيره من العلماء .. وإنما هي محاولة لجمع المتفرق وتوحيد المجزي أمام هجمة تجزيء المجزأ .. وآثرت بموضوعية الاختصار حيث بلغت صفحات البحث حوالي ثمانون صفحة .. وذلك لتمكين المؤلف من التوسع في كتابي القادم والخاص بالموضوع ذاته وهو بعنوان :
” أجداد وآباء النبي الساجدون “ ..
البحث والقراءة :
يقول العلامة السيوطي رحمه الله :
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
مسألة – الحكم في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم إنهما ناجيان وليسا في النار صرح بذلك جمع من العلماء، ولهم في تقرير ذلك مسالك:
المسلك الأول :
أنهما ماتا قبل البعثة ولا تعذيب قبلها
لقوله تعالى :
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15
وقد أطبقت أئمتنا الأ شاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا وأنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام وأنه إذا قتل يضمن بالدية والكفارة نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه وسائر الأصحاب بل زاد بعض الأصحاب وقال أنه يجب في قتله القصاص ولكن الصحيح خلافه لأنه ليس بمسلم حقيقي وشرط القصاص المكافأة وقد علل بعض الفقهاء كونه إذا مات لا يعذب بأنه على أصل الفطرة ولم يقع منه عناد ولا جاءه رسول فكذبه. وهذا المسلك أول ما سمعته في هذا المقام الذي نحن فيه من شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين المناوي فإنه سئل عن والد النبي صلى الله عليه وسلم هل هو في النار فزأر في السائل زأرة شديدة فقال له السائل هل ثبت إسلامه فقال إنه مات في الفترة ولا تعذيب قبل البعثة ، ونقله سبط ابن الجوزي في كتاب مرآة الزمان عن جماعة فإنه حكى كلام جده على حديث إحياء أمه صلى الله عليه وسلم ثم قال ما نصه : وقال قوم قد قال الله تعالى :
{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } …. الإسراء15
والدعوة لم تبلغ أباه وأمه فما ذنبهما . وجزم به الأبي في شرح مسلم وسأذكر عبارته:
[ وقد ورد في أهل الفترة أحاديث أنهم يمتحنون يوم القيامة وآيات مشيرة إلى عدم تعذيبهم ] .
وإلى ذلك مال حافظ العصر شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر في بعض كتبه فقال :
[ والظن بآله صلى الله عليه وسلم يعني الذين ماتوا قبل البعثة أنهم يطيعون عند الامتحان إكراما له صلى الله عليه وسلم لتقربهم عينه .
ثم رأيته قال في الإصابة ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم :
[ ومن مات في الفترة ومن ولد أكمه أعمى أصم ومن ولد مجنونا أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ونحو ذلك أن كلا منهم يدلي بحجة ويقول لو عقلت أو ذكرت لآمنت فترفع لهم نار ويقال أدخلوها فمن دخلها كانت له بردا وسلاما ومن امتنع أدخلها كرها هذا معنى ما ورد من ذلك . ] (1)
وذكر السيوطي في شرح سنن ابن ماجة في السياق :
” فقال الحافظ بن حجر في كتاب الإصابة ورد عدة طرق في حق شيخ الهرم ومن مات في الفترة ومن ولد أكمه ومن ولد مجنونا أو طرأ عليه الجنون قبل ان يبلغ ونحو ذلك ان كلا منهم يدلي بحجة ويقول لو عقلت وذكرت لآمنت فترفع لهم نار ويقال ادخلوها فمن دخلها كانت له بردا وسلاما ومن امتنع أدخلها كرها هذا معنى ما ورد من ذلك قال ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وأهل بيته في جملة من يدخلها طائعا فينجو إلا أبا طالب فإنه أدرك البعثة ولم يؤمن وثبت في الصحيح انه في ضحضاح من نار زجاجة ] .. (2)
قال السيوطي في المسالك :
قال ــ ابن حجر ــ وقد جمعت طرقه في جزء مفرد قال :
[ ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعا فينجو إلا أبا طالب فإنه أدرك البعثة ولم يؤمن وثبت أنه في ضحضاح من نار، وقد جعلت قصة الامتحان داخلة في هذا المسلك مع أن الظاهر أنها مسلك مستقل لكني وجدت ذلك لمعنى دقيق لا يخفى على ذوي التحقيق ]
” سنعقب على موضوع أبو طالب عليه السلام وجهاده في خدمة النبوة والإسلام بتوسع في كتابنا : ” أباء وأجداد النبي الساجدون ” .. ..
ذكر الآيات المشيرة إلى ذلك
الآية الأولى :
قوله تعالى :
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15
وهذه الآية هي التي أطبقت أئمة السنة على الاستدلال بها في أنه لا تعذيب قبل البعثة وردوا بها على المعتزلة ومن وافقهم في تحكم العقل .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن قتادة في قوله تعالى :
{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15
قال إن الله ليس بمعذب أحدا حتى يسبق إليه من الله خبر أو تأتيه من الله بينة .
_______________________________________________
ــ يقــول المؤلف :
وقد ذكر الطبري رحمه الله في تفسير الآية الكريمة :
“ وقوله { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15
يقول تعالى ذكره : وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الأعذار إليهم بالرسل وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } إن الله تبارك وتعالى ليس يعذب أحدا حتى يسبق إليه من الله خبر أو يأتيه من الله بينة وليس معذبا أحدا إلا بذنبه
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن أبي هريرة قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى نسم الذين ماتوا في الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين جاء الإسلام وقد خرفوا ثم أرسل رسولا أن ادخلوا النار فيقولون : كيف ولم يأتنا رسول ؟ وايم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم
{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثنا أبو سفيان عن معمر عن همام عن أبي هريرة نحوه (3)
ــ وقد ذكر القرطبي رحمه الله في بطلان حجة القول بأن الله تعالى يدعوا المجانين للحساب فقال :
” وأما ما وري من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال فحديث لم يصح ولا يقتضي ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف قال المهدوي : وروي عن أبي هريرة أن الله عز وجل يبعث يوم القيامة رسولا إلى أهل الفترة والأبكم والأخرس والأصم فيطبعه منهم من كان يريد أن يطيعه في الدنيا وتلا الآية ي رواه معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة ذكره النحاس ” (4)
نبعث رسولا أي لم نترك الخلق سدى بل أرسلنا الرسل و في هذا دليل على أن الأحكام لا تثبت إلا بالشرع خلافا للمعتزلة القائلين بأن العقل يقبح و يحسن و يبيح و يحظر و قد تقدم في البقرة القول فيه و الجمهور على أن هذا في حكم الدنيا أي أن الله لا يهلك أمه بعذاب إلا بعد الرسالة إليهم و الإنذار و قالت فرقة : هذا عام في الدنيا و الآخرة لقوله تعالى : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا قال ابن عطية : و الذي يعطيه النظر أن بعثه آدم عليه السلام بالتوحيد و بث المعتقدات في بنيه مع نصب الأدلة الدالة على الصانع مع سلامة الفطر توجب على كل أحد من العالم الإيمان واتباع شريعة الله ثم تجدد ذلك في زمن نوح عليه السلام بعد غرق الكفار وهذه الآية أيضا يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا في الذين لم تصلهم رسالة وهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم وأما ما وري من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال فحديث لم يصح ولا يقتضي ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف ..
قال المهدوي : وروي عن أبي هريرة أن الله عز وجل يبعث يوم القيامة رسولا إلى أهل الفترة والأبكم والأخرس والأصم فيطيعه منهم من كان يريد أن يطيعه في الدنيا وتلا الآية ي رواه معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة ذكره النحاس . (5)
______________________________________________
يقــول المؤلف :
وفي السياق التفسيري ذكر القرطبي رحمه الله :
قوله تعالى : {ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ }الأنعام
: 131
أورد هذه الآية الزركشي في شرح جمع الجوامع استدلالا على قاعدة أن شكر المنعم ليس بواجب عقلا بل بالسمع . ” (6)
وقيل المعنى :
{ ما كان الله مهلك أهل القرى بظلم منه فهو سبحانه يتعالى عن الظلم بل إنما يهلكهم بعد أن يستحقوا ذلك وترتفع الغفلة عنهم بإرسال الأنبياء وقيل المعنى : أن الله لا يهلك أهل القرى بسبب ظلم من يظلم منهم مع كون الآخرين غافلين عن ذلك فهو مثل قوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } (7)
ذكر الموضوع في تفسير أبو السعود(8) كما ذكر في تفسير الصنعاني (9)
يقول المؤلف في سياق موضوع :
تعذيب الأطفال وفاقدي العقل يوم القيامة :
فقد أورد ألقاسمي في كتابه :
” واحتج النووي وغيره على ذلك بقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وبما رواه البخاري في صححيه عن سمرة في حديثه الطويل وفيه ذكر رؤيا النبي وآله وفيها ما لفظه والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله أولاد قالوا يا رسول الله وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين وهذا نص في موضع النزاع من أصح كتب الإسلام عند أئمة الحديث وأما كونه رؤيا فلا يضر لوجهين أحدهما أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي وحق ولذلك عزم الخليل عليه السلام على ذبح ولده بسببها وهذا إجماع وثانيهما أن هذا السؤال عن أولاد المشركين وجوابه كان في اليقظة لا في الرؤيا
وقد أوضحت في العواصم أنه لم يصح في تعذيب الأطفال بغير ذنب منهم حديث قط ولا صح ذلك عمن ينظر إليه من أئمة السنة وإنما قالت طوائف منهم بأقوال محتملة منها أن الله تعالى يكمل عقول الصبيان ويكلفهم في عرصة من عرصات يوم القيامة بتكليف يناسب ذلك اليوم مثل ما روى أنه يخرج لهم عنقا من النار فيأمرهم بورودها فمن كان سعيدا في علم الله تعالى لو أدرك العمل وردها فكانت عليه بردا وسلاما ومن كان شقيا في علم الله تعالى لو أدرك العمل امتنع وعصى فيقول الله تعالى لهم عصيتموني اليوم كيف رسلي لو أتتكم أو كما ورد..
وسبب مصير من صار منهم إلى هذا القول أحاديث كثيرة وردت بذلك منها عن أبي سعيد وأنس ومعاذ والأسود بن سريع وأبي هريرة وثوبان وروى ذلك أيضا أحمد بن عيسى بن زيد بن علي عليه السلام عن جده زيد بن علي ذكره صاحب الجامع الكافي وقال السبكي في كتابه في ذلك أن أسانيد هذه الأحاديث صالحة
قلت وفسروا بهذه الأحاديث حديث الله أعلم بما كانوا عاملين وهو الذي اتفق على صحته في الباب وسنة الله في إقامة الحجج على خلقه ” . (10)
_________________________________________________
الآية الثالثة :
قوله تعالى :
{وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } القصص47
أورد هذه الزركشي أيضا :
وأخرج ابن أبي خاتم في تفسيره عند هذه الآية بسند حسن عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الهالك في الفترة يقول رب لم يأتني كتاب ولا رسول ثم قرأ هذه الآية :
{ رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } القصص47
يقــول المؤلف :
وفي تفسير الآية ذكر السيوطي رحمه الله :
” - قوله تعالى :
” ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين
أخرج ابن مروديه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الهالك في الفترة يقول : رب لم يأتني كتاب ولا رسول
ثم قرأ هذه الآية ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين” (11)
الرابعــة :
قوله تعالى :
{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى }طه134
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية عن عطية العوفي قال :
[ الهالك في الفترة يقول رب لم يأتني كتاب ولا رسول وقرأ هذه الآية لو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا - إلى آخر الآية . ..
______________________________________________
يقــول المؤلف :
أن الله تعالى لا يمكن بحال أن يقيم الميزان لمن يصله الرسول والحجة والرسالة ، ذلك أن الله تعالى نفى صفة الظلم عن نفسه وهو تعالى العدل ولهذا جاء قوله تعالى لنفي حجة المحتجين يوم الحساب بعدم مجئ الرسل ولهذا كان الرسل والأنبياء على التوالي حجة على الخلق المرسلين لهم ..
وقد ذكر البغوي في التفسير :
{وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }القصص47 ولولا أن تصيبهم مصيبة } عقوبة ونقمة { بما قدمت أيديهم } من الكفر والمعصية { فيقولوا ربنا لولا } هلا { أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين } وجواب لولا محذوف أي : لعاجلناهم بالعقوبة يعني : لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم وقيل : معناه لما بعثناك إليهم رسولا ولكن بعثناك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " .. (12)
الخامســة :
قوله تعالى :
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }القصص59
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس وقتادة في الآية قالا لم يهلك الله ملة حتى يبعث إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم فلما كذبوا وظلموا بذلك هلكوا .
السادســة :
قوله تعالى :
{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الأنعام155
السابعــة :
قوله تعالى :
{وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ }الشعراء208
أخرج عبد بن حميدو ابن المنذر وابن أبي حاتم في تفاسيرهم عن قتادة في الآية قال :
[ ما أهلك الله من قرية إلا من بعد الحجة والبينة والعذر حتى يرسل الرسل وينزل الكتب تذكرة لهم وموعظة وحجة لله ذكرى وما كنا ظالمين . يقول ما كنا لنعذبهم إلا من بعد البينة والحجة.
الثامنة :
قوله تعالى :
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }فاطر37
قال المفسرون :
احتج عليهم ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو المراد بالنذير في الآية .
ذكر الأحاديث الواردة في أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع منهم
أدخل الجنة ومن عصى أدخل النار
الحديث الأول :
أخرج الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في مسنديهما والبيهقي في كتاب الاعتقاد وصححه عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
[ أربعة يمتحنون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما اسمع شيئا وأما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر وأما الهرم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن أدخلوا النار فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها . ]…
الحديث الثاني :
أخرج أحمد وإسحاق بن راهويه في مسنديهما وابن مروديه في تفسيره والبيهقي في الاعتقاد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
[ أربعة يمتحنون ..] فذكر مثل حديث الأسود بن سريع سواء .
الحديث الثالث :
أخرج البزار في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ يؤتى بالهالك في الفترة والمعتوه والمولود فيقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ولا رسول ويقول المعتوه أي رب لم أجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا . ويقول المولود لم أدرك العـمل قال فيرفع لهم ؟ فيقال لهم ردوها أو قال ادخلوها فيدخلها من كان في علم الله سعيدا لو أدرك؟ ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل فيقول تبارك وتعالى وإياي عصيتم فكيف برسلي بالغيب ]
.. في إسناده عطية العوفي فيه ضعف والترمذي يحسن حديثه وهذا الحديث له شواهد تقتضي الحكم بحسنه وثبوته . (13)
ــ وعطية العوفي متشيع لأهل البيت عليهم السلام لذلك يضعفوه !! ــ المؤلف
الحديث الرابع :
أخرج البزار وأبو يعلى في مسنديهما عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ يؤتى بأربعة يوم القيامة بالمولود والمعتوه ومن مات الفترة وبالشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الله تبارك وتعالى لعنق من جهنم أبرزي فيقول لهم إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هـذه فيقول من كتب الله عليه الشقاء يا رب أتدخلناها ومنها كنا نفرق ، ومن كتب له السعادة فيمضي فيقتحم فيها مسرعا فيقول الله قد عصيتموني فأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار . ] (14)
______________________________________________

الحديث الخامس :
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال:
[ إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم تأتنا رسل قال وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه। قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ॥

إسناده صحيح على شرط الشيخين ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع . (15)
يقــول المؤلف وبالله التوفيق :
إن الدعوي بالعذاب من الله على من لم تصلهم الحجج والبلاغ هوة قول مخالف أصلا لصريح القرآن وبالتالي فإن الحجج الواهية التي يسوقها البعض في الطعن بإيمان أبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماهي إلا استكمال لخط العداوة للنبوة وآل البيت عليهم السلام ..
وجاء في تفسير القرطبي : رحمه الله ذكر الموضوع في تفسير قوله تعالى : " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزروا وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( " 15
: [ وهذه الآية أيضا يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا في الذين لم تصلهم رسالة وهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم وأما ما وري من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال فحديث لم يصح ولا يقتضي ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف قال المهدوي : وروي عن أبي هريرة أن الله عز وجل يبعث يوم القيامة رسولا إلى أهل الفترة والأبكم والأخرس والأصم فيطبعه منهم من كان يريد أن يطيعه في الدنيا وتلا الآية ي رواه معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة ذكره النحاس ] (16)
وبهذا ثبت أنه لا عقاب أو حساب إلا لمن وجبت عليه الرسالة والتبليغ بالحجة بالنبوة وهم ما ذكره القرطبي في تفسير قوله تعالى : أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون (3)
: [وقيل : المراد بالقوم أهل الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام قال ابن عباس و مقاتل وقيل : كانت الحجة ثابتة لله جل وعز عليهم بإنذار من تقدم من الرسل وإن لم يرؤا رسولا وقد تقدم هذا المعنى " .. (17)
وفي تفسير الدر المنثور في قوله تعالى : "
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (72)
قال رحمه الله : كنت أقول في أطفال المشركين هم مع آبائهم حتى حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنهم ؟ فقال : " ربهم أعلم بهم وبما كانوا عاملين " فأمسكت عن قولي
وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين ؟ فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين والله أعلم "
الآية 15 - 17 أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة : المعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ؟ ولم تأتنا رسل ! قال : وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه
قال أبو هريرة رضي الله عنه : اقرءوا إن شئتم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
وأخرج إسحق بن راهويه وأحمد وابن حبان وأبو نعيم في المعرفة والطبراني وابن مروديه والبيهقي في كتاب الاعتقاد عن الأسود بن سريع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : " أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في الفطرة فأما الأصم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا وأما الأحمق فيقول : رب جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا وأما الذي مات في الفطرة فيقول : رب ما آتاني لك رسول
فيأخذ مواثيقهم ويرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار
قال : فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها كانت عليهم بردا وسلاما ومن لم يدخلها سحب إليه " (18)
كما ذكر الموضوع في معاني القرآن للنحاس ..(19)
وذكر الأ لوسي في روح المعاني عن ألحليمي في منهاجه : =
" قال : فمن بلغته دعوة أحد من الرسل عليهم السلام بوجه من الوجوه فقصر في البحث عنها فهو كافر من أهل النار فلا تغتر بقول كثير من الناس بنجاة أهل الفترة من أخبار النبي بأن آباءهم الذين مضوا في الجاهلية في النار ا ه والذي عليه الأ شاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء أن أهل الفترة لا يعذبون وأطلقوا القول في ذلك وقد صح تعذيب جماعة من أهل الفترة وأوجب بأن أحاديثهم آحاد لا تعارض القطع بعدم التعذيب قبل البعثة وبأنه يجوز أن يكون تعذيب من صح تعذيبه منهم لأمر مختص به يقتضي ذلك علمه الله تعالى ورسوله نظير ما قيل في الحكم بكفر الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام مع صباه وقيل إن تعذيب هؤلاء المذكورين في الأحاديث مقصور على غير وبدل من أهل الفترة بما لا يعذر به كعبادة الأوثان " (20)
وفي التحرير والتنوير ذكر:
" أن الذين عاشوا في الفترة ودعوا للشرك ونبذوا التوحيد عليهم العقاب : " فيكون أهل الفترة مؤاخذين على نبذ التوحيد في الدنيا ومعاقبين عليه في الآخرة وعليه يحمل ما ورد في صحاح الآثار من تعذيب عمرو بن لحي الذي سن عبادة الأصنام وما روي أن أمرأ القيس حامل لواء الشعراء إلى النار يوم القيامة وغير ذلك . وهذا الذي يناسب أن يكون نظر إليه أهل السنة الذين يقولون : إن معرفة الله واجبة بالشرع لا بالعقل وهو المشهور عن الأشعري والذين يقولون منهم " إن المشركين من أهل الفترة مخلدون في النار على الشرك " . (21)
وفي تفسير الصنعاني رحمه الله قال :
" عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة قال إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار قال فيقولون كيف ولم يأتنا رسول قال وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قال ثم قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "...(22) انتهى ...
يقول السيوطي في مسلك الحنفا :
_______________
الحديث السادس :
أخرج البزار والحاكم في مستدركه عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
[ إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم وعلى ظهورهم فيسألهم ربهم فيقولون ربنا لم ترسل إلينا رسولا ولم يأتنا لك أمر ولو أرسلت إلينا رسولا لكنا أطوع عبادك فيقول لهم ربهم أريتكم أن أمرتكم بأمر تطيعوني فيقولون نعم فيأمرهم أن يعمدوا إلى جهنم فيدخلوها فينطلقون حتى إذا دنوا منها وجدوا لها تغيظا وزفيرا فرجعوا إلى ربهم فيقولون ربنا أجرنا منها فيقول لهم الم تزعموا أني أن أمرتكم بأمر تطيعوني فيأخذ على ذلك مواثيقهم فيقول اعمدوا إليها فادخلوها فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا ورجعوا فقالوا ربنا فرقنا منها ولا نستطيع أن ندخلها فيقول ادخلوها داخرين ] (23)
______________________________________________
فقال النبي صلى الله عليه وسلم وآله :
[ لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما ] .
قال الحاكم صحيح على شرط البخاري ومسلم . (24)
الحديث السابع :
أخرج الطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
[ يأتي يوم القيامة بالممسوخ عقلا وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرا فيقول الممسوخ عقلا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقـله مني وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك فيقول الرب إني آمركم بأمر فتطيعون فيقولون نعم فيقول اذهبوا فادخلوا النار قال ولو دخلوها ما ضرتهم فتخرج عليهم فرائص فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعا ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك فيقول الرب : قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون وعلى علمي خلقتكم وإلى علمي تصيرون ضميهم فتأخذهم . قال الكيا الهراسي في تعليقه في الأصول في مسألة شكر المنعم .(25)
______________________________________________
اعلم أن الذي استقر عليه آراء أهل السنة ـ حملة السنة المحمدية ــ قاطبة أنه لا مدرك للأحكام سوى الشرع المنقول ولا يتلقى حكم من قضيات العقول فأما من عدا أهل الحق من طبقات الخلق كالرافضة والكرامية والمعتزلة وغيرهم فإنهم ذهبوا إلى أن الأحكام منقسمة فمنها ما يتلقى من الشرع المنقول ومنها ما يتلقى من قضيات العقول قال : وأما نحن فنقول لا يجب شيء قبل مجيء الرسول فإذا ظهر واقام المعجزة تمكن العاقل من النظر فنقول لا يعلم أول الواجبات إلا بالسمع فإذا جاء الرسول وجب عليه النظر وعند هذا يسأل المستطرفون فيقولون ما الواجب الذي هو طاعة وليس بقربة وجوابه أن النظر الذي هو أول الواجبات طاعة وليس بقربة لأنه ينظر للمعرفة فهو مطيع وليس بمتقرب لأنه إنما يتقرب إلى من يعرفه ، قال وقد ذكر شيخنا الإمام في هذا المقام شيئا حسنا فقال قبل مجيء الرسول تتعارض الخواطر والطرق إذ ما من خاطر يعرض له إلا ويمكن أن يقدر أن يخطر خاطر آخر على نقيضه فتتعارض الخواطر ويقع العقل في حيرة ودهشة فيجب التوقف إلى أن تنكشف الغمة وليس ذلك إلا بمجيء الرسول وههنا قال الأستاذ أبو إسحاق :
[ أن قول لا أدري نصف العلم ومعناه أنه انتهى علمي إلى حد وقف عند مجازة العقل وهذا إنما يقوله من دقق في العلم وعرف مجاري العقل مما لا يجري فيه ويقف عنده انتهى .
وقال الإمام فخر الدين الرازي في المحصول :
[ شكر المنعم لا يجب عقلا خلافا للمعتزلة لنا أنه لو تحقق الوجوب قبل البعثة لعذب تاركه فلا وجوب أما الملازمة فبينة وأما أنه لا تعذيب فلقوله سبحانه :
{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15
نفى التعذيب إلى غاية البعثة فينتفي وإلا وقع الخلف في قول الله وهو محال انتهى . وذكر أتباعه مثل ذلك كصاحب الحاصل والتحصيل والبيضاوي في منهاجه.
وقال القاضي تاج الدين السبكي :
في شرح مختصر ابن الحاجب على مسألة شكر المنعم :
[ تتخرج مسألة من لم تبلغه الدعوة فعندنا يموت ناجيا ولا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام وهو مضمون بالكفارة والدية ولا يجب القصاص على قاتله على الصحيح .
وقال البغوي في التهذيب :
[ أما من لم تبلغه الدعوة فلا يجوز قتله قبل أن يدعى إلى الإسلام فإن قتل قبل أن يدعي إلى الإسلام وجب في قتله الدية والكفارة ] .
وعند أبي حنيفة :
[ لا يجب الضمان بقتله وأصله أنه عندهم محجوج عليه بعقله وعندنا هو غير محجوج عليه قبل بلوغ الدعوة إليه لقوله :
{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } الإسراء15} .
فثبت أنه لا حجة عليه قبل مجيء الرسول انتهى .
وقال الرافعي في الشرح :
[ من لم تبلغه الدعوة لا يجوز قتله قبل الإعلام والدعاء إلى الإسلام ولو قتل كان مضمونا خلافا لأبي حنيفة .. وبني الخلاف على أنه محجوج عليه بالعقل عنده وعندنا من لم تبلغه الدعوى لا تثبت عليه الحجة ولا تتوجه المؤاخذة .
قال تعالى :
{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15 انتهى .
وقال الغزال في البسيط :
[ من لم تبلغه الدعوة يضمن بالدية والكفارة لا بالقصاص على الصحيح لأنه ليس مسلما على التحقيق وإنما هو في معنى المسلم ] .
نقــول :
ونحن نرى أن التوحيد هو لمن كان على الحنيفية السمحاء وهي النقيضة للوثنية وعبادة الذات الفانية .. فكيف لا يكون حامل هذا الاعتقاد مؤمنا ومسلما أسلم وجهه لله تعالى .؟ وكيف يفهم أن النبي صلى الله عليه وآله وهو يتعبد الله في الغر ويتحنث عابدا مخلصا لله الواحد القهار وكان اسمه في التوراة صادقا وأمينا .. وكانت مثله السيدة خديجة عليها السلام وهي التي لم تسجد لصنم قط .. ولذلك سميت الطاهرة وكان على أنموذجهم الكثير من القرشيين وغيرهم وفضلا عن ذلك الهاشميين عليهم السلام .. وهم الذين قضوا نحبهم في السقاية وخدمة الحجيج على ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ، فأين يقف هؤلاء الموحدين إلا على الإسلام الإبراهيمي عليه الصلاة والسلام وقد عمق الإسلام المحمدي وجهتهم فكانوا أول المسلمين الموحدين والهاشميين على رأسهم بما سنشرحه في هذه القراءة والله الموفق .
وقال ابن الرفعة في الكفاية :
[ لأنه مولود على الفطرة ولم يظهر منه عناد . ]
وقال النووي في شرح مسلم :
[ في مسألة أطفال المشركين المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون أنهم في الجنة ] .
يقــول المؤلف :
فالعجب بأن أطفال المشركين في الجنة .. ومن حملوا الدفاع عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله في النار أو في إسلامهم نظر !!
لقوله تعالى :
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء15
قال وإذا كان لا يعذب البالغ لكونه لم تبلغه الدعوة فغيره أولى .
فإن قلت هذا المسلك الذي قررته هل هو عام في أهل الجاهلية كلهم . قلت لا بل هو خاص بمن لم تبلغه دعوة نبي أصلا . أما من بلغته منهم دعوة أحد من الأنبياء السابقين ثم أصر على كفره فهو في النار قطعا وهذا لا نزاع فيه
.
______________________________________________
ويقــول المؤلف : ونحن لا نرى بالقطع في الحجج المدفوعة لتبرير عدم إسلام أبوا النبي الكرام صلى الله عليه وآله سوى ذرائع تبريرية لجدل حول قضية مثبتة . ذلك بأنهم ليسوا مسلمين فقط بل من المصطفين الأخيار
يقول السيوطي في المسالك :
وأما الأبوان الشريفان :
” فالظاهر من حالهما ما ذهبت إليه هذه الطائفة من عدم بلوغهما دعوة أحد وذلك لمجموع أمور تأخر زمانهما وبعد ما بينهما وبين الأنبياء السابقين فإن آخر الأنبياء عليهم السلام قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عيسى عليه السلام .. وكانت الفترة بينه وبين بعثة نبينا نحو ستمائة سنة ثم أنهما كانا في زمن جاهلية وقد طبق الجهل الأرض شرقا وغربا وفقد من يعرف الشرائع ويبلغ الدعوة على وجهها إلا نفرا يسيرا من أحبار أهل الكتاب مفرقين في أقطار الأرض كالشام وغيرها ولم يعهد لهما تقلب في الأسفار سوى إلى المدينة ولا عمرا عمرا طويلا بحيث يقع لهما فيه التنقيب والتفتيش فإن والد النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش من العمر إلا قليلا
قال الإمام الحافظ صلاح الدين العلائي في كتابه الدرة السنية في مولد سيد البرية :
” كان سن عبد الله حين حملت منه آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثمانية عشر عاما ثم ذهب إلى المدينة ليمتار منها تمرا لأهله فمات بها عند أخواله من بني النجار والنبي صلى الله عليه وسلم حمل على الصحيح انتهى .
وأمه قريبة من ذلك لاسيما وهي امرأة مصونة محجبة في البيت عن الاجتماع بالرجال والغالب على النساء أنهن لا يعرفن ما الرجال فيه من أمر الديانات والشرائع خصوصا في زمان الجاهلية الذي رجاله لا يعرفون ذلك فضلا عن نسائه .
ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم تعجب من بعثته أهل مكة وقالوا أبعث الله بشرا رسولا. وقالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين .
فلو كان عندهم علم من بعثة الرسل ما أنكروا ذلك وربما كانوا يظنون أن إبراهيم بعث بما هم عليه فإنهم لم يجدو من يبلغهم شريعة إبراهيم على وجهها لدثورها وفقد من يعرفها إذ كان بينهم وبين زمن إبراهيم أزيد من ثلاثة آلاف سنة فاتضح بذلك صحة دخولهما في هذا المسلك .
ثم رأيت الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال في أماليه ما نصه :
كل نبي إنما أرسل إلى قومه إلا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ..
____________________________________________
يقــول المؤلف بتوفيق الله
: أن ما ساقه السيوطي رحمه الله في هذا السياق من نقول ورغم أن دراسته تعبر هامه فيها شئ من تجاوز النصوص والتسطيح للمسائل الثابتة لما كان مثبتا في نورانية أبوا النبي صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وقد شهد القرآن وهو الحجة البالغة على الخلائق أن أبوا النبي وأجداده عليهم السلام هم [ الساجدون ] ..
(26) ولم يثبت أن أحد من أباء الأنبياء عليهم السلام كانوا كافرين بل كانوا موحدين عابدين ساجدين وكانوا حوضا نورانيا يستوعب حركة الطهر والنور المخلوق وهو ما سنتناوله في السياق وما تناولنا في كتابنا :
” أبوا النبي وأجداده الساجدون عليهم السلام “ بالتوسع والتفصيل . فالدنيا في غياب النبوات لا تخلوا من حجة وإلا لساخت الأرض وهلكت بذنوب البشر وهم الأ بدال الذين لم يبدلوا تبديلا . فكان حياض الأنبياء عليهم السلام وأرحام الساجدين هي منابع هذا الطهر المقدس والولاية الإلهية المباركة فكانت لهم الدعوات المستجابات بفضل اختيارهم لمخاض الرسالات وأجساد المطهرين من السادة الأنبياء عليهم السلام . وقد حرم على هذه الأجساد الرجس والدنس والشرك ، أن الله تعالى يقول في كتابه العزيز
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } التوبة28
ويستحيل أن يكون الأنبياء قد أنبتهم الرحمن في الأجساد النجسة وهو تعالى الذي يقول في كتابه العزيز :
{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33
فأجداد وأعمام ووالدا النبي يقعون في خانه الطهر المقدس ويكونون هم الساجدون المطهرين بصريح القرآن وكلام النبوة . وهو ما سنفصله في السياق بمشيئة الرحمن
[ فعلى هذا يكون ما عدا قوم كل نبي من أهل الفترة إلا ذرية النبي السابق فإنهم مخاطبون ببعثة السابق إلا أن تدرس شريعة السابق فيصير الكل من أهل الفترة . ]
هذا كلامه فبان بذلك أن الوالدين الشريفين من أهل الفترة بلا شك لأنهما ليسا من ذرية عيسى ولا من قومه ثم يرشح ما قال حافظ العصر أبو الفضل بن حجر أن الظن بهما أن يطيعا عند الامتحان أمران أحدهما :
الأمـر الأول :
ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه عن ابن مسعود قال قال شاب من الأنصار لم أر رجلا كان أكثر سؤالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه يا رسول الله أرأيت أبواك في النار؟
فقال صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين :
[ ما سألتهما ربي فيطيعني فيهما وإني لقائم يومئذ المقام المحمود . ]
فهذا الحديث يشعر بأنه يرتجي لهما الخير عند قيامه المقام المحمود وذلك بأن يشفع لهما فيوفقا للطاعة إذا امتحنا حينئذ كما يمتحن أهل الفترة ولا شك في أنه يقال له عند قيامه ذلك المقام سل تعط واشفع تشفع مكان في الأحاديث الصحيحة فإذا سأل ذلك أعطيه .
______________________________________________
يقول المؤلف وبالله التوفيق :
تعقيبا على ماجاء في النقطة الأولى بالافتراض المخالف للقرآن أن أبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النار هو من قبيل تواصل العداوة مع البيت النبوي المقدس وهذه هي بالقطع أحاديث فيها مخالفة ونظر وقد تصدى لتفنيدها جمع منت علماء السنة المحمديون والمدافعون عن شجرة الطهر المقدس وهو إيذاء صريح للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في نسبه وشرفه المقدس ..والله تعالى يقول في محكم التنزيل :
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً }الأحزاب57
وفي السياق قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله :
” واعلم أن الرافضة ذهبوا إلى أن إن آباء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كانوا مؤمنين وتمسكوا في ذلك بهذه الآية وبالخبر ، أما هذه الآية فقالوا قوله تعالى {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }الشعراء219يحتمل الوجوه التي ذكرتم ويحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى نقل روحه من ساجد إلى ساجد كما نقول نحن ، وإذا احتمل كل هذه الوجوه وجب حمل الآية على الكل ضرورة أنه لا منافاة ولا رجحان ، وأما الخبر فقوله عليه السلام “ لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات ” وكل من كان كافرا فهو نجس لقوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } التوبة28
قالوا فإن تمسكتم على فساد هذا المذهب بقوله تعالى :
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }الأنعام74
قلنا الجواب عنه :أن لفظ الأب قد يطلق على العم كما قال أبناء يعقوب عليه السلام له
{ قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } البقرة133
فسموا إسماعيل أبا له مع أنه كان عما له ، وقال عليه السلام ” ردوا علي أبي ” يعني العباس ، ويحتمل أيضا أن يكون متخذ الأصنام أبأمه فإن هذا قد يقال له الأب قال تعالى :
{ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } إلى قوله : { وَعِيسَى } فجعل عيسى من ذرية إبراهيم مع أن إبراهيم كان جده من قبل الأم ॥ واعلم إننا نتمسك بقوله تعالى :

{ لأَبِيهِ آزَرَ } .. وما ذكروه صرف للنظر عن ظاهره ، وأما حمل قوله :
{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }الشعراء219
على جميع الوجوه فغير جائز لما بينا أن حمل المشترك على كل معانيه غير جائز ، وأما الحديث فهو خبر واحد فلا يعرض القرآن ” (27)
” ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
[ لم أزل أنقل في أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " وقد قال الله تعالى :
{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } التوبة28
فوجب ألا يكون أحدا مشركا . ولقد أحسن الحافظ شمس الدين بن ناصر الدمشقي حيث قال :
حبا الله مزيد فضل على فضل وكان به رءوفا
فأحيا أمه وكذا أباه لإيمان به فضلا لطيفــــــا
فسلم فالقديم بذا قدير وان كان الحديث به ضعيفا (28)
وفي الطبقات الكبرى :
" أن الله قد أذن لمحمد في زيارته قبر أمه } فأتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقيل له فقال : " أدركتني رحمتها فبكيت " (29)
وهذه الحقيقة الساطعة بأن أبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو لم يكونوا مسلمين لم يأذن الله تعالى بزيارتهما ॥ ولو يكونوا مرحومين لما ذرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدمع عليهما .. فالنبي صلوات الله وسلامه عليه هو رحمة للعالمين .. وهو رحمة مهداة .. فكيف رحمته وهي دعوته الرحيمة من قلب رءوف رحيم لا تشمل أمه عليها السلام .. وقال السيوطي رحمه الله : " وقال السهيلي بعد إيراده : الله قادر على كل شيء وليس تعجزه وقدرته عن شئ ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم أهل أن يختص بما شاء من فضله وينعم عليه بما شاء من كرامته " .. وفيه قال القرطبي رحمه الله " لا تعارض بين حديث الإحياء والاستغفار " وهو دليل واضح من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وهو الأصح في الموضوع " أنم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل ربه أن يحي أبويه فأحياهما له فآمنا به ثم أماتهما " والحديث الذي رواه مسلم .. وهو القول بعدم نجاة أبوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال السهيلي كما في المصدر : "وليس لنا أن نقول ذلك في أبويه صلى الله عليه وآله وسلم لقوله : " لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات "

وقال تعالى : "
{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً }الأحزاب57
وقد روى الطبراني رحمه الله عن أم هانئ رضي الله عنها قال :
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
[ ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي . وأن شفاعتي تنال حاء وحكم "
(30) ويقول العلامة الصالحي في سبل الهدى والرشاد:
في أبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
[ أنهما لم يثبت عنهما شرك بل كان على الحنيفية دين جدهما إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم .. كما كان زيد بن عمرو بن نفيل وأضرابه في الجاهلية .. ومال إلى هذا الرأي فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى : وزاد أن آبائه صلى الله عليه وآله وسلم كلهم إلى آدم كانوا على التوحيد . كما قاتل في كتابه : أسرار التنزيل كما نصه : " قيل إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل عمه واحتجوا عليه بوجوه : منها أن آباء الأنبياء ما كانوا كفارا ، ويدل عليه وجوه أحدهما قوله تعالى :
{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ }الشعراء218 {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }الشعراء 219
" قيل معناه : أنه كان ينقل نوره من ساجد إلى ساجد قال : وبهذا التقدير فالآية دالة على أن جميع آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا مسلمين ، وحينئذ يجب القطع بأن والد إبراهيم ما كان من الكافرين إنما ذاك عمه ، أقصى ما في الباب أن يحمل قوله تعالى :
{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }الشعراء219
على وجوه أخرى ، وإذا وردت الروايات بالكل ولا منافاة بينهما وجب حمل الآية على الكل ، ومتى ثبت ذلك أن والد إبراهيم ما كان من عبدة الأوثان .. قال : ومما يدل على أن آباء النبي محمد صلى الله عليه وآله ــ ما كانوا مشركين قوله عليه الصلاة والسلام: [ لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ]
وقال تعالى : ” إنما المشركون نجس ” فوجب ألا يكون أحد من أجداده صلى الله عليه وآله وسلم مشركا . انتهى كلام الفخر الرازي .. (31)
إننا نرى الدفاع عن أبوا النبي صلوات الله وسلامه عليه من أوجب الأمور الشرعية لتعلقها بأقدس ركائز المعتقد الشرعي والبناء الإلهي في المسلمين وتاريخهم ومستقبلهم من جهة والجهة الأهم هي أن الدخول في تكفير أبوا النبي صلوات الله وسلامه عليه هو من أكبر الجرائم الإنسانية لصدامها من ملايين المسلمين من حفنة لا تمثل سوى العار على الأمة والتاريخ ومستقبل المسلمين ولا يصح حتى أن يعيشوا بين أظهر الموحدين لأنهم نجس باتهامهم سيد المخلوقات والمرسلين في أمه عليها السلام ومن الله التقديس بأنها مشركة .. إن البيت الهاشمي المختار من عند الله وهو حوض النور الإلهي لا يحتاج إلى الدفاع فنورهم يسطع في وجه الحاقدين على النبوات ومصدري التخلف الفكري المستورد بين أظهر الموحدين ..
فتوى في وجه المكفرين :
” يقول الشيخ الصالحي في موسوعته الخطيرة الهامة [ سبل الهدى والرشاد ] وهو يدافع عن آل النبي المطهرين عليهم السلام :
[ وقعت على فتوى بخط بعض العلماء ألمغاربه بسط فيها الكلام على هذا المقام ورجح ما مشى عليه الشيخ . ومن جملة ما ذكره : أن المتكلم في هذا المقام على ثلاثة أقسام : قسم يوجب تكفير قائله وزندقته وليس فيه إلا القتل دون تلعثم ، وهو حيث يتكلم بمثل هذا الكلام المؤذي في أبويه صلى الله عليه وآله قاصدا لأذيته وتعبيره والازدراء به والتجسر على جهته العزيزة بما يصادم تعظيمه وتوقيره .
وقسم ليس على المتكلم وصم وهو حديث يدعوه داع ضروري إلى الكلام به . كما إذا تكلم الحديث مفسرا له ومقررا ، ونحو ذلك مما يدعوا إلى الكلام به من الدواعي الشرعية .
وقسم يحرم علينا التكلم فيه ولا يبلغ به إلى القتل وهو حيث لا يدعوه داع شرعي الى الكلام له فهذا يؤدب على حسب حاله و يشدد في أدبه إن علم منه الجرأة وعدم التحفظ في اللسان ويعزل من الوظائف الشرعية واستدل بعزل عمرين عبد العزيز عامله .
ثم قال : ولا ينبغي لعاقل إنكار ذلك . أي حديث إحياء أبويه صلى الله عليه وآله وسلم ، فكرامته صلى الله عليه وآله وسلم على موالاة أعظم من ذلك ولا يتشاغل في هذا المقام بكونه صحيحا ، فقد قال العلماء : أحاديث الترغيب والترهيب لا يشترط فيها الصحة . فما بالك بهذا المقام ؟ ولا مانع من صحته إنشاء الله تعالى . وذلك هو الذي يغلب على ظن كل محب للجناب الشريف صلى الله عليه وآله وسلم ."
(32)
ويتواصل السيوطي في المسالك فيقول في:
الأمر الثاني :
ما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى :
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }الضحى5
: [ قال من رضا محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار. ]
ولهذا عمم الحافظ ابن حجر في قوله الظن بآل بيته كلهم أن يطيعوا عند الامتحان .
(33) ” وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } [ الضحى : 5 ] وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار ”
(34)
وذكر البغوي ذات السياق فقال :
” وقال حرب بن شريح سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : إنكم يا معشر أهل العراق تقولون : أرجى آية في القرآن : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } وإنا أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب الله { ولسوف يعطيك ربك فترضى } من الثواب وقيل : من النصر والتمكين وكثرة المؤمنين { فترضى }
(35)
نقل القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال رضي محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار وقاله ألسدي
انتهى
وأخرج الحاكم وصححه أنه قال وعدني ربي في أهل بيتي ”
(36)
: وهذا الإجماع فيه التأكيد على نقطة هامة وهي إثبات التطهير لبيت النبوة وإنهم ناجون من النار بالشفاعة .. وهو وعد وعده الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن ينجي الله آل البيت عليهم السلام ولهذا جعل الله تعالى على لسان نبيه آل البيت أمان أهل الأرض فكيف بوالدي وأجداد وأعمام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ..
أخرج أبو يعلى والطبراني وابن السني وابن عدي وأبو الشيخ وابن مروديه عن الحسن بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا : بسم الله الملك الرحمن بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وما قدروا الله حق قدره إلى آخر الآية ] ..
(37)
وفي الصواعق المحرقة في “ الحديث الثاني عشر أخرج أبو يعلى عن سلمة بن الأ كوع أن النبي قال النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي” (38)
الأمر الثالث :
أخرج أبو سعد في شرف النبوة والملا في سيرته عن عمران بن حصين قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ سألت ربي أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي فأعطاني ذلك ] ..
أورده الحافظ محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى . (39)
الأمر الرابع :
أصرح من هذين : أخرج تمام الرازي في فوائده بسند ضعيف عن ابن عمر قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب وأخ لي كان في الجاهلية ]
أورده المحب الطبري وهو من الحفاظ والفقهاء في كتابه ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى وقال إن ثبت فهو مؤول في أبي طالب على ما ورد في الصحيح :
من تخفيف العذاب عنه بشفاعته انتهى . وإنما احتاج إلى تأويله في أبي طالب دون الثلاثة أبيه وأمه وأخيه يعني من الرضاعة لأن أبا طالب أدرك البعثة ولم يسلم والثلاثة ماتوا في الفترة .
وقد ورد هذا الحديث من طريق آخر اضعف من هذا الطريق من حديث ابن عباس أخرجه أبو نعيم وغيره وفيه التصريح بأن الأخ من الرضاعة. (40)
فهذه أحاديث عدة يشد بعضها بعضا فإن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة طرقه وأمثلها حديث ابن مسعود فإن الحاكم صححه . ومما يرشح ما نحن فيه ما أخرجه ابن أبي الدنيا قال :
” ثنا القاسم بن هاشم السمسار ثنا مقاتل بن سليمان الرملي عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ سالت ربي أبناء العشرين من أمتي فوهبهم لي . ] (41)
ومما ينضم إلى ذلك وان لم يكن صريحا في المقصود ما أخرجه الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ أول من أشفع له يوم القيامة أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب ] .. (42)
وما أورده المحب الطبري في ذخائر العقبى وعزاه لأحمد في المناقب عن علي عليه السلام :
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ يا معشر بني هاشم والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم ]
وهذا أخرجه الخطيب في تاريخه من حديث يغنم عن أنس . (43)
وما أورده أيضا وعزاه لابن البختري عن جابر ابن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
[ ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا ينتفع بلى حتى تبلغ حاكم وهم أحد قبيلتين من اليمن إني لأشفع فأشفع حتى أن من أشفع له ليشفع فيشفع حتى أن إبليس ليتطاول طمعا في الشفاعة . ]
ونحو هذا ما أخرجه الطبراني من حديث أم هاني (44)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
[ ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي وأن شفاعتي تناول حاو حكم. ] (45)

لطـيفـة :
نقل الزركشي في الخادم عن ابن دحية أنه جعل من أنواع الشفاعات التخفيف عن أبي لهب في كل يوم اثنين لسروره بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وإعتاقه ثويبة حين بشر به . قال وإنما هي كرامة له صلى الله عليه وآله وسلم ..
تنـبيه :
ثم رأيت الإمام أبا عبد الله محمد بن خلف الأبي بسط الكلام على هذه المسألة في شرح مسلم عند حديث :
[ إن أبي وأباك في النار ] ..
فأورد قول النووي فيه :
“ أن من مات كافرا في النار ولا تنفعه قرابة الأقربين ثم قال قلت أنظر هذا الإطلاق وقد قال السهيلي ليس لنا أن نقول ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم :
[ لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات . ] ..
وقال تعالى :
( إن الذين يؤذون الله ورسوله)
ولعله يصح ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم سأل الله سبحانه فأحيا له أبويه فآمنا به ورسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذا ولا يعجز الله سبحانه شيء ] .. (46)
[ وأما ما ذكره ابن الكمال تبعا للسيوطي من أنه سئل القاضي أبو بكر بن العربي أحد المالكية عن رجل قال إن أبا النبي في النار فأجاب بأنه ملعون لأن الله تعالى يقول إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة قال
ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه إنه في النار
محمول على من قصد أذى النبي عليه الصلاة والسلام بإطلاق هذا الكلام فإنه ملعون بل كافر مطعون وأما من أخبره لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام واعتقده كأبي حنيفة وغيره من علماء الأعلام فحاشاهم من نسبة الطعن إليهم ويحرم اللعن عليهم
ثم نقله تبعا له عن السهيلي
ليس لنا أن نقول ذلك في أبويه لقوله عليه السلام لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات كما رواه الطبراني
فدفعه ظاهر على من عنده علم باهر وعقل قاهر ] .. (47)
ثم أورد قول النووي وفيه :
[ أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان في النار وليس هذا من التعذيب قبل بلوغ الدعوة لأنه بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الرسل . ثم قال قلت تأمل ما في كلامه من التنافي فإن من بلغتهم الدعوى ليسوا بأهل فترة فإن أهل الفترة هم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني كالإعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى ولا لحقوا النبي صلى الله عليه وسلم ..
والفترة بهذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين ولكن الفقهاء إذا تكلموا في الفترة فإنما يعنون التي بين عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم . ولما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة علمنا أنهم غير معذبين ، فإن قلت صحت أحاديث بتعذيب أهل الفترة كصاحب المحجن وغيره . قلت أجاب عن ذلك عقيل بن أبي طالب بثلاثة أجوبة :
الأول : أنها أخبار آحاد فلا تعارض القاطع .
الثاني : قصر التعذيب على هؤلاء والله أعلم .
الثالث : قصر التعذيب المذكور في هذه الأحاديث على من بدل وغير الشرائع وشرع من الضلال ما لا يعذر به فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
من أدرك التوحيد ببصيرته ثم من هؤلاء من لم يدخل في شريعته كقس بن ساعدة وزيد ابن عمرو بن نفيل ومنهم من دخل في شريعة حق قائمة الرسم كتبع وقومه.
القسم الثاني :
من بدل وغير وأشرك ولم يوحد وشرع لنفسه فحلل وحرم وهم الأكثر كعمرو بن لحي أول من سن للعرب عبادة الأصنام وشرع الأحكام فبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي وزادت طائفة من العرب على ما شرعه أن عبدوا الجن والملائكة وحرقوا البنين والبنات واتخذوا بيوتا جعلوا لها سدنة وحجابا يضاهون بها الكعبة كاللات والعزى ومناة .
القسم الثالث :
من لم يشرك ولم يوحد ولا دخل في شريعة نبي ولا ابتكر لنفسه شريعة ولا اخترع دينا بل بقي عمره على حال غفلة عن هذا كله وفي الجاهلية من كان كذلك فإذا انقسم أهل الفترة إلى الثلاثة الأقسام فيحمل من صح تعذيبه على أهل القسم الثاني لكفرهم بما لا يعذبون به. وأما القسم الثالث فهم أهل الفترة حقيقة وهم غير معذبين للقطع كما تقدم . وأما القسم الأول فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في كل من قس وزيد أنه يبعث أمة وحده . وأما تبع ونحوه فحكمهم حكم أهل الدين الذين دخلوا فيه ما لم يلحق أحد منهم الإسلام الناسخ لكل دين انتهى ما أورده الآبي .
المسلك الثاني :
أنهما لم يثبت عنهما شرك :
بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم عليه السلام كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة منهم الإمام فخر الدين الرازي: فقال في كتابه أسرار التنزيل ما نصه. قيل إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل كان عمه واحتجوا عليه بوجوه: منها أن آباء الأنبياء ما كانوا كفارا ويدل عليه وجوه : منها قوله تعالى :
[ الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ]
قيل معناه أنه كان ينقل نوره من ساجد إلى ساجد ..
وبهذا التقدير فالآية دالة على أن جميع آباء محمد صلى الله عليه وسلم كانوا مسلمين وحينئذ يجب القطع بأن والد إبراهيم ما كان من الكافرين إنما ذاك عمه أقصى ما في الباب أن يحمل قوله تعالى- (وتقلبك في الساجدين) على وجوه أخرى . وإذا وردت الروايات بالكل ولا منافاة بينها وجب حمل الآية على الكل ومتى صح ذلك ثبت أن والد إبراهيم ما كان من عبدة الأوثان ثم قال : ومما يدل على أن آباء محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما كانوا مشركين قوله عليه السلام لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات . وقال تعالى :
{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركا. هذا كلام الإمام فخر الدين بحروفه وناهيك به إمامة وجلالة فإنه أمام أهل السنة في زمانه والقائم بالرد على فرق المبتدعة في وقته والناصر لمذهب الأ شاعرة في عصره وهو العالم المبعوث على رأس المائة السادسة ليجدد لهذه الأمة أمر دينها . وعندي في نصرة هذا المسلك وما ذهب إليه الإمام فخر الدين أمور: أحدها دليل استنبطته مركب من مقدمتين :
الأولى :
أن الأحاديث الصحيحة على أن كل أصل من أصول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
[ من آدم إلى أبيه عبد الله فهو من خير أهل قرنه وأفضلهم . ] و..
الثانـية :
أن الأحاديث والآثار دلت على انه لم تخل الأرض من عهد نوح أو آدم إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ثم إلى أن تقوم الساعة من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له وبهم تحفظ الأرض ولولاهم لهلكت الأرض ومن عليها.
[ الأبدال والله أعلم ] وإذا قارنت بين هاتين المقدمتين أنتج منها قطعا أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيهم مشرك لأنه قد ثبت في كل منهم أنه من خير قرنه فإن كان الناس الذين هم على الفطرة هم إياهم فهو المدعي وأن كانوا غيرهم وهم على الشرك لزم أحد أمرين إما أن يكون المشرك خيرا من المسلم وهو باطل بالإجماع وإما أن يكون غيرهم خيرا منهم وهو باطل لمخالفة الأحاديث الصحيحة فوجب قطعا أن لا يكون فيهم مشرك ليكونوا من خير أهل الأرض كل في قرنه .
ذكر أدلة المقدمة الأولى :
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
[ بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه . ]

(48)
تم بحمد الله تعالى الحلقة الأولى من بحث مسالك الحنفا في والدي
المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق