بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الحلقة الثالثة مصطلح الأمة في القرآن الكريم- الشيخ والمفكر الاسلامي محمد حسني البيومي الهاشمي


مصطلح الأمة في القرآن الكريم

الحلقة الثالثــة

الشيخ والمفكر الاسلامي

محمد حسني البيومي الهاشمي

8

8 ــ أمة مقتصــدة

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ }المائدة66

وهذا المصطلح المنبثق من المصطلح الأم الأشمل ” الأمة ” وبإضافته إليه يشكل حالة مستقلة تقوم بدور التوصيف وإبراز الحقيقة الإيمانية المقدسة ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” .. وفي مدخل الموضوع نؤكد أن هذا المصطلح قد تعرض كغيره من المصطلحات القرآنية لحالة من عدم البيان المتعمدة والتشتت في الآراء في تعريفه ، وذلك بفعل سياسات الضغط الأموية والاتجاه الديني الرسمي المعادي لكلية الأصول !! بحيث يدفع تنزيل القرآن العظيم لحسابات اليهود وأهل الكتاب عامة ( الخط الأعرابي الفريسي (

ويكون بالتالي عرضة للجدل ووجهات النظر ويلحق كباقي تفسير القرآن بعبارة معهودة ” اختلف العلماء ” وبحديث ليس له أصل ” اختلاف أمتي رحمة !! والأصل في التنزيل كما بينا في جميع مباحثنا هو من صاحب التنزيل الى النبوة وأهل النبوة وهو قوله تعالى :

{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }النور6

3 وفي التفسير هي بيوت الأنبياء عليهم السلام . ويشار إلى أن مصطلح الأمة المقتصدة هو أمة بذاته وقد ورد في القرآن العظيم بصورة فردية توحيدية . تعبر عن طبيعة الأمة والحالة العبا دية المقدسة ” عبادنا ” .. ” عباديولخصوصية هذه المصطلحات كما سيجيء ببيت النبوة عليهم السلام فقد تعرض للملاحقة من جماعات الناكثين والقاسطين لآل محمد الطاهرين !! ومثال ذلك للمراجعة في مبحثنا لمصطلح : ” الإمام المبين

تناولت بالبحث المقارن لحوالي عشرين تفسيرا لم أجد اتفاق على اثنين منها حتى على ظاهر المصطلح : الإمام وهو الخليفة ذو السلطان ؟؟ وذلك لأن الموسوعة الحديثية قد وضحت ان الإمام المبين هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) وقد شرحناه في تفسيرنا لسورة ياسين ” آهل البيت في ظلال القرآن الكريموهو الأمة المقتصدة المتسمة بشفافين الإيمان والوسطية المعتدلة . ومثله مصطلحات عديدة مثل : ” أمر الله ” ، ” علم الساعة ” وكلها تؤكد على عمق القيمة البيانية لحالة أهل البيت كأمة مستقلة لها مرجعيتها في النبوة والإمامة .. وفي سياق قراءتنا للمصطلح ” الأمة المقتصدة ” رأينا في القرآن ولدى علماء التفسير أن أهل الكتاب لم يقيموا التوراة والانجيل لما استبدلهم الله تعالى بالنبوة المحمدية الخاتمة .. ” منهم أمة مقتصدة ” أي على الحق والبشارة ومنهم الأسباط وحواريي المسيح عليهم السلام . والأمة المقتصدة : هي المدخرة للحق أو دائرة النور ، عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [ تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة : سبعون منها في النار وواحدة في الجنة وتفرقت أمة عيسى على ثنتين وسبعين ملة : واحدة في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار وتعلو أمتي على الفرقتين جميعا واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار ] قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال [ الجماعات الجماعات ] (1)

(1) تفسير ابن كثير ج 2/104قوله تعالى : منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون (66 ..

وفيه دليل على حالة تمزق الأمة وتحزبها إلى منظمات سياسية ومذهبية ومصالحيه قديمة ومعاصرة

{ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }المؤمنون53

ولهذا نرى في أصول التنزيل صورة البيان وأصول الحقيقة .. أن المهدوف والمختص بالنزول في المصطلح هو أمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) خاصة وعامة .. وتقديم صورة واضحة لحقيقة الاختلاف بعد النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) وهو المتعلق بانقلاب أعداء آل البيت (عليهم السلام ) على الأنموذج القرآني الحق في الكمال والتنزيل . وإنما المثال القرآني كما ذكرنا في مباحثنا هو لتقريب الصورة مع الأنموذج الأساس وهو الرسالة المقدسة في النبوة والعترة .

وقوله تعالى : { منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون } كقوله { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } وكقوله عن أتباع عيسى { فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم } الآية فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد وهو أوسط مقامات هذه الأمة وفوق ذلك رتبة السابقين كما في قوله عز وجل : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ” (2)

و(2) نفس المصدر السابق

هو في ذات قراءة الحالة في روح المصطلح وأصوله بعيدا عن سياسات التسويف والقبول الزائف لحقيقة الأصول !! عن ” زيد بن أسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال

[ تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة : سبعون منها في النار وواحدة في الجنة وتفرقت أمة عيسى على اثنتين وسبعين ملة : واحدة في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار وتعلو أمتي على الفرقتين جميعا واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار ] قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال [ الجماعات الجماعات ] ، قال يعقوب بن زيد : كان علي بن أبي طالب إذا حدّث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا فيه قرآنا قال : { ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم } إلى قوله تعالى : { منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون } وتلا أيضا قوله تعالى : { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } يعني أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم “ (3)

و(3) تفسير ابن كثير : نفس المصدر السابق =الشوكاني : فتح القدير ج2/85

ويمكننا تحديد الأمة المقتصدة هي ” الفرقة الناجية ” :

أنظر موسوعتنا في المصطلح القرآني ( مصطلح جماعة المسلمين ) و ( مصطلح الفرقة الناجية ) و ( مصطلح الأبدال الالهيون )

أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة ولتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة فأما اليهود فإن الله يقول :

{ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون }

فهذه التي تنجو وأما النصارى فإن الله يقول :

{ منهم أمة مقتصدة }

فهذه التي تنجو وأما نحن فيقول :

{ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون }

فهذه التي تنجو من هذه الأمةوروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام ) تحديده للفرقة الناجية :

أخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي عن زادان عن علي (عليه السلام ) قال : ” تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة وواحدة في الجنة وهي الذين قال الله عز وجل في حقهم ” وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ” وهم أنا ومحبي وأتباعي ” (4(

(4)القندوزي الحنفي : ينابيع المودة ج1/ الباب 5 /ص 109

وهم أهل العدل والقسط وأمة المهدي العادلة في ختام الدنيا :

أم سلمة قالت

: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” المهدي من عترتي ( ولد الرجل لصلبه ) من ولد فاطمة “ (5)

(5) سنن أبي داوود ج2/509 رقم 4289 الناشر : دار الفكر = سنن ابن ماجه ج2/1368 رقم 4086 الناشر : دار الفكر – بيروت

المهدي منك يا فاطمة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا “ .. وأخرج أبو الشيخ عن السدي أمة مقتصدة يقول مؤمنة ” تفسير قوله تعالى : ” منهم أمة مقتصدة ” (6(

(6) الدر المنثور ج3/115 “ ، الناشر : دار الفكر – بيروت ، 1993

أسباط عن السدي : { منهم أمة مقتصدة } يقول : مؤمنة ، قال زيد : أهل طاعة الله ” ( 7 (7)

تفسير الطبري ج4/644

قال الشوكاني رحمه الله : { منهم أمة مقتصدة } ، “ فهذه التي تنجو وأما نحن فيقول : { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون }

فهذه التي تنجو من هذه الأمة “ (8(

(8) فتح القدير ج2/ 357

قال محمد بن كعب : فهؤلاء أمة مقتصدة الذين قالوا : عيسى عبد الله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم ” (9(

(9) نفس المصدر السابق ص122

لم يقل ذلك سوى حواريوا السيد المسيح وتلاميذه وهم ” المختارين ” كما في إنجيل متى … والأشبه بهم حواريوا أمير المؤمنين

(عليه السلام ) و حواريوا المهدي (عليه السلام ) فهم الأمة المعدودة .. وهم القاصدون نحو الله وهم أهل العدل والقسط لا يفرطون ولا يبالغون ولا يغالون في الدين وهم حواريوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حجة الله و أمين الأمم وخلاصة النبوة والأنبياء عليهم السلام .. وأمير المؤمنين (عليه السلام) هو الأشبه بالسيد المسيح (عليه السلام) ” عن علي بن أبي طالب قال دعاني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن فيك من عيسى مثلا أبغضته يهود حتى بهتوا أمه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به … (10)

. (10) ” تاريخ دمشق ج42/293 رقم 8825 ، 8826، 8827

..” أما رضي له مثلا ” إلا عيسى فنزلت ” ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون “ الزخرف : 44 ” (11(

“ (11) الموفق الخوارزمي : مناقب أمير المؤمنين (ع)ص157

ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } بإذاعة ما فيهما من نعت محمد صلى الله عليه وسلم والقيام بأحكامها { وما أنزل إليهم من ربهم }

يعني سائر الكتب المنزلة فإنها من حيث أنهم مكلفون بالإيمان بها كالمنزل إليهم أو القرآن

{ لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم }

لوسع عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم بركات من السماء والأرض أو يكثر ثمرة الأشجار وغلة الزر وع أو يرزقهم الجنان اليانعة الثمار فيجتنونها من رأس الشجر ويلتقطون ما تساقط على الأرض بين ذلك أن ما كف عنهم بشؤم كفرهم ومعاصيهم لا لقصور الفيض ولو أنهم آمنوا وأقاموا ما أمروا به لوسع عليهم وجعل لهم خير الدارين { منهم أمة مقتصدة } عادلة غير غالية ولا مقصرة وهم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل مقتصدة متوسطة في عداوته ” (12(

و هكذا ننتهي من القراءة الموجزة لهذا المفهوم والمصطلح القرآني لنؤكد على الحقيقة القرآنية في تبيان الفارق بين جماهير الأمة وقيادتها الصادقين من أهل البيت وهي قيادة ربانية من عالم الإرادة والتشريف

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة: 119

9 ــ أمة مسلمــة

{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة128

يجئ مصطلح ” الأمة المسلمة “ في ختم مبحثنا ليجلل عالم الخلق بعالم الإرادة الإلهية .. فقد خلق الله المتعالي أمته .. من نوره الأعظم .. ويأبى الله إلا أن يتم نوره المقدس بنبيه المجتبى محمد (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) نور العالمين .. دعوة إبراهيمية عظمي .. تصعد نحو العلي القدير لظهور الأمة المحمدية المطهرةإنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراأمة وعترة مسلمة في ختم الدنيا “ والمتأمل الدقيق في الآية الكريمة وعمقها يجد الأمل الاشراقي تصعد روحه ليجد ذاته حالة النور في قلب النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) ذرية نور متوهج يصعد لنور الله ويسكن عرشه :

{ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم } [ البقرة : 128

].. انه الحلم الإبراهيمي الممتد عميقا يسكن عمقنا منذ الأزل ..

مصطلح الأمة المسلمة يؤكد حالتنا الروحية الصاعدة حقا ..

من قلب الوهج النبوي العميق .. عمق اسم الله ” السلام “ .. السلام يسكننا والخيار الإبراهيمي الوردي يفسر عمق الحالة الأمل .. حقا كان جدي إبراهيم أمة العلي الأعظم .. ترنو عيونه العاشقة نحو أمة الأمم محمد نبي الرحمة في العالمين .. يختم الله به صبغته ..

{صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }البقرة138

قال ابن زيد : { هو سماكم المسلمين } قال : ألا ترى قول إبراهيم :

{ واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } البقرة : 128 قال : هذا قول إبراهيم { هو سماكم المسلمين } ولم يذكر الله بالإسلام والإيمان غير هذه الأمة ذكرت بالإيمان والإسلام جميعا ولم نسمع بأمة ذكرت إلا بالإيمان ” (1)

(1) تفسير الطبري ج 9/191

إنها أمانة العلي الكبير التي نأت الجبال بها .. أمانة الاستخلاف وختم الرسالة المحمدية وإشراقها بالمهدي آفاق الدنيا .. حديث الحق النبوي : ” بنا بدئ الدين وبنا يختم ” .. ” وبمهدينا يختم ” حلمك جدي إبراهيم عليك صلوات الله .. كان الحقيقة ..

{ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الزمر69

.. انه الاصطفاء الخالص ..

وتقلبك في الساجدين ” يعبر نور الله عن ذاته أنا :

دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ورأت أمي حين حملت بي كأن نورا خرج منها أضاء له قصور بصرى في أرض الشام ” (2)

(2) النبلاء ” السيرة النبوية “ج1/ 47 ط . مؤسسة الرسالة 1419 = البداية والنهاية : المجلد الأول ج2/ 779 = الطبقات الكبرى : المجلد 1/82 = تاريخ دمشق ج3/457 ، 487 ..

قال السيوطي : ” ومن ذريتنا ” واجعل من ذريتنا ” أمة مسلمة لك ” و ” منللتبعيض أو للتبيين كقوله : ” وعد الله الذين آمنوا منكم ” النور : 55 . فإن قلت : لم خص ذريتهما بالدعاء ؟ قلت : لأنهم أحق بالشفقة والنصيحةقوا أنفسكم وأهليكم نارا ” التحريم : 6 ، ولأن أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم وشايعوهم على الخير . ألا ترى أن المقدمين من العلماء والكبراء إذا كانوا على السداد كيف يتسببون لسداد من وراءهم ؟ وقيل : أراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم “ انه نور الإصطفاء الأزلي لأمة صاعدة نحو الهداية وتمام النور، مغموسة في قدس الرحمن لتشعل هذا العالم بروح توحيد جديدة .. قال النبي المصطفي (صلى الله عليه وآله وسلم) ” لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة الى الأرحام الطيبة وصفني مطهرا لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما

وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلمخير العرب مضر وخير مضر بنو عبد مناف وخير بني عبد مناف بنو هاشم وخير بنو هاشم بنو عبد المطلب والله ما افترق شعبتان منذ خلق الله آدم إلا كنت في خيرهما

وأخرج والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أنس قال : خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار : وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا “ (3)

و(3) السيوطي : الدر المنثور ج4/ 328

بهذا كان النبي الأعظم أمة تتحقق بأمر الرب وعدا وختم رسالة : “

{ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }المطففين26″ .

وكانت عترته بما حباها الله .. يستجمع الرحمن بها مناحي النور والعطاء .. فهي الأمة الوسط ..القلادة .. والقلادة كما قال أهل اللغة بدون أن تعلق في الصدور تفقد عمق القيمة .. قال النبي موسى الروعة في سياق الحالة ” :

حدثنا سعيد عن قتادة قوله : { أخذ الألواح } [ الأعراف : 154 ] قال : رب إني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة محمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون – أي آخرون في الخلق – السابقون في دخول الجنة رب اجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها – وكان من قبلهم يقرئون كتابهم نظرا حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه قال قتادة : وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم – قال : رب اجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ويقاتلون فضول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ثم يؤجرون عليها – وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا فأكلتها وإن ردت عليه تركت تأكلها الطير والسباع قال : وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم – قال : رب اجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة رب اجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها فإذا عملها كتبت عليه سيئة واحدة فاجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد قال : رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون والمشفوع لهم فاجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد قال : وذكر لنا أن نبي الله موسى عليه نبذ الألواح وقال : اللهم اجعلني من أمة أحمد ! قال : فأعطي نبي الله موسى عليه السلام ثنتين لم يعطهما نبي قال الله : { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي }

[ الأعراف : 143 ] قال : فرضي نبي الله ثم أعطي الثانية :

{ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف : 159 ] قال : فرضي نبي الله صلى الله عليه وسلم كل الرضا ” “

و ..عن معمر عن قتادة قال : لما أخذ موسى الألواح قال : ( يا رب إني أجد في الألواح أمة هم خير الأمم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ! قال : يارب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون يوم القيامة فاجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ثم ذكر نحو حديث بشر بن معاذ إلا أنه قال في حديثه : فألقى موسى عليه السلام الألواح وقال : اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليهما (4)

(4) الطبري : جامع البيان ج6/64 وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني

الأمة كما في الدعاء والآية هم ” الذرية “ وهم النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) والأئمة من ولده عليهم السلام .. لتطابق التجربة الموسويةالمثال “ . { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } الأعراف : 159

االى الأنموذج النوراني الخاتم :

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } : الأعراف181

وهم النبي محمد وعترته المطهرين الهادون المهديون وبالحق والقسط يعدلون

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }الأعراف181

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

: )صفتي أحمد المتوكل ليس بفظ ولا غليظ يجزي بالحسنة الحسنة ولا يكافي السيئة مولده بمكة ومهاجره طيبة وأمته الحمادون يأتزرون على أنصافهم ويوصون أطرافهم أناجيلهم في صدورهم يصفون للصلاة كما يصفون للقتال قربانهم الذي يتقربون به إلى دماؤهم رهبان بالليل ليوث بالنهار “(5(

. (5) سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني : المعجم الكبير الناشر : مكتبة العلوم والحكم – الموصل ج10/89 رقم 10046 ــ الطبعة الثانية ، 1404 – 1983

.. فأمته أهله وذريته من صلبه الذين لهم ميراث النبوة والرسالة.. والمسلمين أمته وجماهيره وشعبه .. فهم محبوهم معهم وفي مقام مسكنهم .. وروي أنه قيل له : قد استجيب لك وهو في آخر الزمان فبعث الله فيهم محمدا صلى الله عليه وسلم . قال عليه الصلاة والسلام :

أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى ورؤيا أمي . ” يتلوا عليهم آيتكيقرأ عليهم ويبلغهم ما يوحى إليه من دلائل وحدانيتك وصدق أنبيائكويعلمهم الكتاب ” القرآن ” والحكمة ” الشريعة وبيان الأحكام ” ويزكيهمويطهرهم من الشرك وسائر الأرجاس كقوله : ” ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ” الأعراف : 157

ومن ذريتنا أمة مسلمة لك أب وأجعل بعض ذريتنا وإنما خصاهم بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة ولأنهم إذا صلحوا صلح الأتباع وإنما خص به بعضهم لما علما أن منهم ظلمة وأن الحكمة الإلهية لا تقتضى اتفاق لكل على الإخلاص والإقبال الكلى على الله عز وجل فإن ذلك مما يخل بأمر المعاش ولذلك قيل لولا الحمقى لخربت الدنيا وقيل أراد بالأمة المسلمة أمة محمد وقد جوز أن يكون من مبينة قدمت على المبين وفصل بها بين العاطف والمعطوف كما في قوله تعالى ومن الأرض مثلهن والأصل وأمة مسلمة لك من ذريتنا ” (6(

و(6) تفسير أبو السعود ج1/ 161 الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت

هكذا يصل مبحثنا الملتزم الى قراءة مصطلح الأمة قراءة شمولية تستوعب القيادة وجماهير الأمة ، وكما استوعبت الحالة العترة النبوية قادة الأمة والأصحاب المنتجبين خيارا موحدا .. فإن حالة الأمة المسلمة سيدفعها العلي القدير نحو خليفته المرتقب : المهدي الموعود (عليه السلام ) فهو ” الأمة ” كجده إبراهيم (عليه السلام ) ومحمد (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) و ” المسلمة “ هي جماهير المسلمين وكل الصالحين القادمين خلفه .. راغبون في صعود الإيمان وروح الثورة .. فهم عشاق النبي وعشاق خليفة ربه ..

ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين” (7)

(7) أنظر : الزمخشري : الكشاف : ج1/95

عني بقوله جل ثناؤه : { كما أرسلنا فيكم رسولا } ولأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع ملتكم الحنيفية وأهديكم لدين خليلي إبراهيم عليه السلام فأجعل لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها فقال : { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم } [ البقرة : 128 ] كما جعلت لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها فقال : { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم } [ البقرة : 129 ] فابتعثت منكم رسولي الذي سألني إبراهيم خليلي وابنه إسماعيل أن أبعثه من ذريتهما ” (8(

(8) تفسير الطبري : ج2/39تفسير قوله تعالى : ” ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (151

عن ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله :

{ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وأما قوله : { يتلو عليكم آياتنا } فإنه يعني آيات القرآن وبقوله : { ويزكيكم } ويطهركم من دنس الذنوب و { يعلمكم الكتاب } وهو الفرقان يعني : أنه يعلمهم أحكامه ويعني : بـ { الحكمة } السنن والفقه في الدين وقد بينا جميع ذلك فيما مضى قبل بشواهده وأما قوله : { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } (9)..

(9) الطبري : نفس المصدر ج2/39

عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :

{لما خلق الله الخلق اختار العرب ثم اختار من العرب قريشا ثم اختار من قريش بني هاشم ثم اختارني من بني هاشم فأنا خيرة من خيرة } (10)

(10) المستدرك على الصحيحين المؤلف : محمد بن عبدا لله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري.. الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1411 – 1990 ج4/97 رقم 6996 ، تعليق الذهبي قي التلخيص : سكت عنه الذهبي في التلخيص

ومن ذريتنا أمة مسلمة لك أب وأجعل بعض ذريتنا وإنما خصهم بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة ولأنهم إذا صلحوا صلح الأتباع وإنما خص به بعضهم لما علما أن منهم ظلمة وأن الحكمة الإلهية لا تقتضى اتفاق لكل على الإخلاص والإقبال الكلى على الله عز وجل فإن ذلك مما يخل بأمر المعاش ولذلك قيل لولا الحمقى لخربت الدنيا وقيل أراد بالأمة المسلمة أمة محمد ” (11 )

(11) روح المعاني ج1/161

عن مجاهد في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } قال الله لإبراهيم : إني مبتليك بأمر فما هو ؟ قال : تجعلني للناس إماما قال : نعم قال : ومن ذريتي قال : لا ينال عهدي الظالمين قال : تجعل البيت للناس قال : نعم قال : وأمنا قال : نعم قال : وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك قال : نعم قال : وترينا مناسكنا وتتوب علينا قال : نعم قال : وتجعل هذا البلد آمنا قال : نعم قال : وترزق أهله في الثمرات من آمن منهم قال : نعم ” (12(

(12) تفسير الطبري ج1/ 571 تفسير قوله تعالى : ” قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي

عن مجاهد في قوله : { لا ينال عهدي الظالمين }

قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به

حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : { لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدي به حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد : { لا ينال عهدي الظالمين } : قال : لا يكون إماما ظالم “ (13)

(13) تفسير الطبري ج1/571

قال الله لإبراهيم : { لا ينال عهدي الظالمين } فقال : فعهد الله الذي عهد إلى عباده دينه يقول : لا ينال دينه الظالمين “ (14)

(13) نفس المصدر ج1/ 571

عن الربيع : { إني جاعلك للناس إماما } ليؤتم به ويقتدى به يقال منه : أممت القوم فأنا أؤمهم أما وإمامة إذا كنت إمامهم. وإنما أراد جل ثناؤه بقوله لإبراهيم :

{ إني جاعلك للناس إماما } إني مصيرك تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي تتقدمهم أنت ويتبعون هديك ويستنون بسنتك التي تعمل بها بأمري إياك ووحيي إليك

القول في تأويل قوله تعالى : { قال ومن ذريتي }

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : قال إبراهيم لما رفع الله منزلته وكرمه فأعلمه ما هو صانع به من تصييره إماما في الخيرات لمن في عصره ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم يهتدي بهديه ويقتدى بأفعاله وأخلاقه : يا رب ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدى بهم كالذي جعلتني إماما يؤتم بي و يقتدى بي مسألة من إبراهيم ربه سأله إياها كما : حدثت عن عمار قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال : قال إبراهيم : { ومن ذريتي } يقول : فاجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدى به ” (15(

(15) نفس المصدر ج1/ 571

كان الأئمة الإثنى عشر المهديين عليهم السلام هم الأمل في القيادة وخلافة النبوة .. فكان ذرية محمد الطاهرين هم ذرية إبراهيم وهم دعوته المصطفين الأخيار … فهم المخصوصون في الآل ، وهو قوله تعالى بالسلام المخصوص لهم في القرآن :

{ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ }الصافات130

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه في قوله :

{ سلام على إل ياسين } قال : نحن آل محمد آل ياسين }

قوله وآل إبراهيم وآل عمران قال : هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد صلى الله عليه وسلم ” (16)

(16) السيوطي : الدر المنثور ج2/ 180 الناشر : دار الفكر – بيروت ، تفسير قوله تعالى : ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين= الشوكاني : فتح القدير ج4/585 تفسير قوله تعالى : ” فآمنوا فمتعناهم إلى حين ( 148

تفسير قوله تعالى : ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين= الشوكاني : فتح القدير ج4/585 تفسير قوله تعالى : ” فآمنوا فمتعناهم إلى حين ( 148 )

وأخرج عبد بن حميد وان جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية : قال : ذكر الله أهل بيتين صالحين ورجلين صالحين ففضلهم على العالمين فكان محمد صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم . وأخرج عبد بن حميد وان جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : ذكر الله أهل بيتين صالحين ورجلين صالحين ففضلهم على العالمين فكان محمد صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم

وقال عكرمة { ربنا واجعلنا مسلمين لك } قال الله : قد فعلت

{ ومن ذريتنا أمة مسلمة لك }

قال الله : قد فعلت وقال السدي

{ ومن ذريتنا أمة مسلمة لك }

يعنيان العرب قال ابن جرير : والصواب أنه يعم العرب وغيرهم لأن من ذرية إبراهيم بني إسرائيل وقد قال الله تعالى :

{ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } (17)

(17) تفسير ابن كثير ج/1/248

أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله الله يس والقرآن الحكيم قال : يقسم الله بما يشاء ثم نزع بهذه الآية سلام على آل ياسين الصافات 130 كأنه يرى أنه سلم على رسوله وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي كثير في قوله يس والقرآن الحكيم قال : يقسم بألف عالم إنك لمن المرسلين18

(18) السيوطي : الدر المنثور ج7/42 الناشر : دار الفكر – بيروت ، 1993: ) تفسير قوله تعالى : ” إنك لمن المرسلين (3) على صراط مستقيم

وأخرج ابن مردويه عن كعب الأحبار في قوله يس قال : هذا قسم أقسم به ربك قال يا محمد إنك لمن المرسلين قبل أن أخلق الخلق بألفي عام” قال ابن جرير : وهذا لا وجه له لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة في القرآن مسلمين وقد قال الله تعالى : { هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا } قال مجاهد : الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر { وفي هذا } يعني القرآن وكذا قال غيره ( قلت ) وهذا هو الصواب لأنه تعالى قال : { هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج { “ وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم { هو سماكم المسلمين من قبل } يعني إبراهيم وذلك قوله : { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } قال ابن جرير : وهذا لا وجه له لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة في القرآن مسلمين وقد قال الله تعالى : { هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا } قال مجاهد : الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر :

{وفي هذا } يعني القرآن وكذا قال غيره ( قلت ) وهذا هو الصواب لأنه تعالى قال : { هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج } ثم حثهم وأغراهم على ما جاء به الرسول صلوات الله وسلامه عليه بأنه ملة أبيهم إبراهيم الخليل ” (19)

(19) تفسير ابن كثير ج3/317

قال محمد بن جرير : دعا إبراهيم عليه السلام بدعوتين – إحداهما – قال { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك }

( 128 – البقرة ) فبعث الله الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم ووعد إجابة الدعوة الثانية بأن يجعل من ذريته أمة مسلمة كما أجبت دعوته بأن أهديكم لدينه وأجعلكم مسلمين وأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع الملة الحنيفية “ (20)

(20) تفسير البغوي ج/166

روي أنه قيل له : قد استجيب لك وهو في آخر الزمان فبعث الله فيهم محمدا صلى الله عليه وسلم . قال عليه الصلاة والسلام : ” أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى ورؤيا أمي . ” يتلوا عليهم آيتك ” يقرأ عليهم ويبلغهم ما يوحى إليه من دلائل وحدانيتك وصدق أنبيائك ” ويعلمهم الكتاب ” القرآنوالحكمة ” الشريعة وبيان الأحكام ” ويزكيهم ” ويطهرهم من الشرك وسائر الأرجاس كقوله : ” ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ” الأعراف : 157

ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ” (21)

(21) الكشاف ج1/95

علي عن ابن عباس قوله : { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } قال : هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد يقول الله عز وجل : { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه } [ آل عمران : 68 ] وهم المؤمنون

تفسير الطبري ج3/333

عن ابن عباس قوله : { وجعلها كلمة باقية في عقبه } قال : يعني من خلفه حدثني محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط عن السدي { في عقبه } قال : في عقب إبراهيم آل محمد صلى الله عليه وسلم “ (22)

(22) تفسير الطبري ج11/ 179قوله تعالى : ” وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون (28

وفي تفسير قوله تعالى : “ الرحمن على العرش استوى } [ طه : 5 ] وقال الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ الديك إذا صاح قال اذكروا الله يا غافلين ] وقال الحسن بن علي بن أبي طالب قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ النسر إذا صاح قال يا بن آدم عش ما شئت فآخرك الموت وإذا صاح العقاب قال في العبد من الناس الراحة وإذا صاح القنبر قال إلهي العن مبغضي آل محمد وإذا صاح الخطاف قرأ :

( الحمد لله رب العالمين ) إلى آخرها فيقول : ( ولا الضالين ) ويمد بها صوته كما يمد القارئ ] قال قتادة و الشعبي : إنما هذا الأمر في الطير خاصة لقوله : ( علمنا منطق الطير ) والنملة طائه إذا قال يوجد له أجنحة قال الشعبي : وكذلك كانت هذه النملة ذات جناحين وقالت فرقة : بل كان في جميع الحيوان “ (23)

(23)تفسير القرطبي ج13/149 قوله تعالى : ” علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ” = تفسير البغوي ج1/ 23

قال الطبرسي في تفسيره مجمع البيان : واستدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الامامية بأن قال : إن دخول من في الكلام يوجب التبعيض فدل بذلك على أنه يحشر قوم دون قوم وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم في أن الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي قوما ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العقاب بالقتل على أيدي شيعته أو الذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته ولا يشك عاقل أن هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه وقد فعل الله تعالى ذلك في الأمم الخالية ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره عليه السلام وصح عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قوله : سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه وتأول جماعة من الامامية ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات وأولوا الأخبار الواردة في ذلك لما ظنوا أن الرجعة تنافي التكليف وليس كذلك لأنه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح والتكليف يصح معها كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة كفلق البحر وقلب العصا ثعبانا وما أشبه ذلك ” (24)

و(24) روح المعاني ج20/26 قوله تعالى : هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل

في تفسير قوله تعالى : ” هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل

يقول العلامة الألوسي :

وروى بعض الإمامية عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنهم الأئمة من آل محمد وما يجحد بآياتنا مع كونها كما ذكر إلا الظالمون 94″ (25(

. (25) روح المعاني ج20/26 قوله تعالى : هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل “ “

أصيل الحال

. وفي ختم مبحثنا نؤكد على أن الحقيقة المحمدية النورانية لن يكتمل إشراقها النوراني إلا بنزول مهدي آل محمد والأمم عليه وعليهم الصلاة والتسليم .. وان قراءة وافية للقرآن والمصطلح القرآني النوراني لن تعلن حقيقتها إلا بظهور الحجة الأممي المهدي الموعود والمخلص العظيم .. وشيكا نسطع بنور الحق ونكتشف نور الأمة المحمدية المصطفاة .. وما هذه الكلمات النورانية إلا وهجا يسطع من نوره ..

نؤكد بها على الحقيقة أن المهدي خليفة الله المتعالى عليه السلام : لن يكون معبرا عن طائفة أو مذهب أو حزب محدد !! بل ستشكل روحه عليه صلوات الله وسلامة بلسما يشفي جراحات انتظارنا ..

السادة أمتنا الموعودة القادمة هي من عمق الغيب تتقدم .. ومن عمق الروح تنير للأجيال خيار المقاومة بالكلمة والمصطلح ويبقى القرآن روحنا وآل محمد قلب حالتنا الثورية كما روحنا وأصحاب المهدي (عليه السلام ) هم ذاتهم أصحاب النبي محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ..

مباحثنا محاولة نحو تثبيت النضة المحمدية ووحدة الروح والانسان

وهي ليست فوق النقد .. بل النقد خيارنا لرسم الحالة

انتهت الحلقة الثالثة من مبحث مصطلح الأمة في القرآن الكريم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطاهرين المنتجبين

____________

بقلمـــي

المفكر الاسلامي التجديدي

الشيخ محمد حسني البيومي

الهاشمي

محمد نور الدين

أهل البيت عليهم السلام

فلسطين المقدسة

______________

كتبت هذه الدراسة المهمة بتاريخ 6 / 3/ / 2007

على موقع أمة الزهراء عليها السلام

______________

تمت بحمد الله تعالى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق